الخميس، 28 ديسمبر 2017

مقال نقدي

قراءة في كتاب «الأب الغني والأب الفقير»
لرائد عالم التعليم المالي روبرت كيوساكي


ثراء-رشا كامل- 5 كانون الأول 2017 بعمقٍ اقتصادي، وبأسلوبٍ بسيط لا يُسهب فيه الكاتب بذكر الأرقام المعقّدة والإحصاءات الرياضيّة الطويلة، ينجح كيوساكي بدفع القارئ بشغفٍ نحو تعلّم معرفةٍ مالية جديدة يدحض له بها واقع تعاملاته الحياتيّة الأزلية مع المال، يركّز لهم فيها على دحض فكرة الوظيفة للحصول على المال التي يبذل فيها الواحد فينا أغلب حياته ووقته وجهده، دون مقابلٍ عادل، كما يحطّم الخرافة القائلة أنّهم في حاجةٍ إلى دخلٍ كبير كي يصبحوا  أثرياء، يقول كيوساكي في الكتاب «إن أردت أن تكون ثرياً، فستحتاج إلى اكتسابِ المعرفة عن المال». 

يقوم كيوساكي بعرض مقارنة بين ما يعلّمه الأثرياء ولا يعلّمه الفقراء وأفراد الطبقة الوسط لأبنائهم عن المال، وذلك بإسقاطه المقارنة هذه على تجربته مع والده «الفعلي» المعلّم المرموق الحاصل على شهادات جامعيّة عُليا، وأبيه الغني الذي كان والد «أحد اصدقائه» الذي اكتسب منه ثقافته الماليّة الأولى.

والده المتعلّم الذي كان لا يرى له سبيلاً للثراء إلا في إكمال تعليمه، أمّا أبوه الغني الذي كان يرى سبلاً أفضل في كيفيّة كسب لُقمة العيش، يقول كيوساكي في الكتاب «إنّ الذهاب للمدرسة –في رأيه- للحصول على وظيفة فكرة عفا عليها الزمن».

يناقش الكتاب أنّ سبب كون اي منا فقيراً أو غني، يكمن خلف أفكارنا وسلوكنا وليس في مقدار ما نملكه من المال، إلاّ أنّه في نفس الوقت لا يهتمّ فقط بتغيّير هذه الأفكار نظرياً بل يقدّم للقارئ سُبلاً حقيقيّة لتسخير هذه الأفكار «بذكاءٍ»، تشعر وكأنّه يقودك ممسكاً يدك مرشداً إياك لبعض ما يمكنك أن تفعله وكيف تفعله ومن أين تبدأ  ، يقول كيوساكي في الفصل الثامن من الكتاب والذي بعنوان (البداية)،  «وددت قول أنّ جمعي الثروة كان يسيراً عليّ، لكنّه لم يكن كذلك».

لا يدعوا الكتاب لعدم الدراسة، ولا يحرّض كيوساكي الموظّفين على تقديم استقالاتهم، على العكس تماماً يدعوهم للمحافظة عليها، ولكن ما المانع أن يقوموا بذلك إلى  جانب اهتمامهم بأعمالهم الخاصّة والبدء بمشاريعهم الخاصّة، وفقط حينما يصلون للمرحلةِ التي يصبح فيها دخلهم من مشروعهم الخاص أكثر من دخلهم من وظائفهم ، يمكنهم حينذاك تقديم استقالاتهم إن رغبوا في ذلك، والتفرّغ لمشاريعهم.

تناول الكتاب عدّة حقائق بديهيّة لكن بمنظورٍ جديد لم يخطر على ذهن القرّاء قبل ذلك، منها وهم الوظيفة الآمنة وعبودية الوظيفة؛ وأنّ الأمان الحقيقي الوحيد في مشروعك الخاص، حيث أنّ الوظيفة يمكن أن تدفع فواتيرك لكن مشاريعك الخاصة هي الأقدر على تحويلك لثري، كما تناول كيف يمكن لنا أن نجعل المال يعمل من أجلنا، ونتوقّف عن تبديد أعمارنا وأوقاتنا وجهدنا في عملنا نحن من أجله، ما لم يكن دخلنا المباشر الشهري كبير جداً، وذلك عبر اكتشاف طريقة دخل من أعمالٍ لا تتطّلب وجودنا وتكرارها آلاف المرات. 

ليس السبب الرئيسي لمعاناة ايٍّ منا مالياً لأنّنا فقراء، بقدر ما لأنّنا لم نتلقّى ايّ تعليمٍ مدرسي ولا حتّى جامعي عن المال، لذلك أنصح بقراءة هذا الكتاب تعويضاً لأنفسنا عن فقر هذا التعليم المالي الذي لم نتلقّاه، ما سيعلّمك إياه هذا الكتاب أكبر من مجرّد أنّه سيعلّمك كيف تجني مزيداً من المال، بل سيعلّمك كيف تتحكّم في كلّ جوانب حياتك، وكيف تحدّد مصيرك، كما سيعلّمك درساً هاماً جداً وهو أنّه سيحثّك على التجربةِ والمخاطرة وتقبّل حتى الفشل والتعافي منه، الكاتب يقول أنّ كلّ الأغنياء الذي يعرفهم سبق أن خسروا في حياتهم أكثر من مرة، لكنّ فقراء كثيرون يعرفهم لم يخسروا قط. فيجب علينا ألّا نحرم أنفسنا النجاح فقط بسبب خوفنا من الخسارة.


غلاف الكتاب- أرشيفيّة